القهوة العربية
تُعتبَر القهوة رمزًا من رموز الكَرَم عند العرب، يُفاخرون بشربها وتُعَدّ مظهرًا من مظاهر الرّجولة في نظرهم. ويعقدون لها المجالس الخاصّة التي تُسمّى بالشبّة أو القهوة أو الدّيوانيّة.
وللقهوة بروتوكولات خاصّة بها وأوانٍ خاصة عند أهل البادية، تُسمّى الدلّة التي يجلبها بعض المُضيفين من بلدانٍ بعيدةٍ وبأسعارٍ باهظةٍ طمعًا في السّمعة الحسنة.
وتثور في المقابل ثائرة المضيف إذا أخبره أحدٌ أنّ قهوته فيها خلل أو تغيّر في مذاقها، ويُعبّرون عن ذلك بقولهم: "قهوتك صايرة"؛ ولا بُدّ في هذه الحالة أن يُغيّر المُضيف قهوته حالاً ويستبدلها بأخرى.
القهوة تحظى بالكثير من الاحترام عند العرب من أهل البادية وعند الخليجييّن والسّعوديين على وجه الخصوص. والقهوة لها عادات قبلية متعارف عليها بين الناس وكل القبائل. فيجب أن تسكب القهوة للضّيوف وأنت واقف وتمسك بها في يدك اليُسرى وتقدم الفنجان باليد اليُمنى ولا تجلس أبدًا حتّى ينتهي جميع الحاضرين من شرب القهوة. بل وأحيانًا يُستحسن إضافة فنجانٍ آخرٍ للضّيف في حال انتهائه من الشّرب خوفًا من أن يكون قد خجل من طلب المزيد. وهذا غايةٌ في الكرم عند أهالي البادية.
عند سكب القهوة وتقديمها للضّيوف يجب أن تبدأ من اليمين عملاً بالسّنة الشريفة، أو تبدأ بالضيف مباشرةً إذا كان من كبار السّن. والمُتعارف عليه أنّك تصبّ القهوة حتّى يقول الضّيف "كفى" ويُعبّر عن ذلك بقوله: "بس" أو "كافي" أو "أكرِم" أو بِهَزّ فنجان القهوة.
مهارةُ صبّ القهوة أيضًا أن تُحدِثَ صوتًا خفيفًا نتيجة ملامسة الفنجان للدلّة. وكان يُقصَد بهذه الحركة تنبيه الضّيف إذا كان سارحًا، أو كما تقدم في الأفراح، أما في الأحزان كالعزاء أحياناً فعلى مقدم القهوة ألا يصدر صوتاً ولو خفيفاً، كما أنّ مِن مهارة شرب القهوة أن يهزّ الشّارب الفنجان يمينًا وشمالاً حتّى تبرّد القهوة ويتمّ ارتشافها بسرعةٍ ،
بلغ من احترام البدو والعرب في السّابق للقهوة أنّه إذا كان لأحدهم طلب عند شيخ العشيرة أو المُضيف، كان يضع فنجانه وهو مليء بالقهوة على الأرض ولا يشربه، فيلاحظ المُضيف أو شيخ العشيرة ذلك، فيُبادره بالسؤال: "ما حاجتك؟" فإذا قضاها له، أَمَره بشرب قهوته اعتزازًا بنفسه. وإذا امتنع الضّيف عن شرب القهوة وتجاهله المُضيف ولم يسأله ما طلبه فإنّ ذلك يُعدّ عيبًا كبيرًا في حقّه، وينتشر أمر هذا الخبر في القبيلة. وأصحاب الحقوق عادةً يحترمون هذه العادات فلا يبالغون في المطالب التّعجيزية ولا يطلبون ما يستحيل تحقيقه، ولكلّ مقام مقال.
ليست القهوة للسّلم فقط بل تستخدم للحروب. فكافّة القبائل في السابق، إذا حدث بينها شجارٌ أو معارك طاحنةٌ وأعجز إحدى القبائل بطل معين، كان شيخ العشيرة يجتمع بأفرادها ويقول: "مَن يشرب فنجان فلان ويشير بذلك للبطل الآنف الذكر؟" (أي: َمن يتكفّل به أثناء المعركة، ويقتله؟) فيقول أشجع أفراد القبيلة: "أنا أشرب فنجانه". وبذلك يقطع على نفسه عهدًا أمام الجميع بأن يقتل ذلك البطل أو يُقتَل هو في المعركة. وأيّ عارٍ يجلبه هذا الرّجل على قبيلته إذا لم يُنفّذ وعده!
هكذا تحوّلت القهوة من رمزٍ للألفة والسّلام إلى نذير حربٍ ودمارٍ.
تُحمّص القهوة أوّلاً على النار بواسطة إناءٍ معدنيٍ مقعرٍ يُسمى "المحماسة"، وتُحرّك القهوة حتى تنضج جميع جهاتها بواسطة عصيتان من الحديد تشبهان الملعقة الطّويلة. ثم تُطحن القهوة بواسطة إناءٍ معدنيٍ يُسمّى "النّجر" وتوضع مع بهاراتها المعروفة، كالقرنفل والزّعفران والهيل، في دلةٍ كبيرةٍ تُسمّى القمقوم أو المبهار ثم تُسكَب بعد عدّة عملياتٍ مُركّبةٍ في دلةٍ مناسبةٍ وتُقدّم للضّيوف.
تطوّرت هذه الأدوات الآن، فالنّجر مثلاً تقابله الطاحونة أو المطحنة الكهربائية، و"المحماسة" تقابلها المحمصة الكهربائية، والدّلة تقابلها الحافظات أو التّرامس.
للقهوة شجرةٌ وثمرٌ تاريخها طويل. فتقول الأسطورة إنّه في زمنٍ بعيدٍ لاحظ راعي ماعزٍ حبشيّ، اسمه كِلدي، أنّ ماشيته تصبح أكثر نشاطًا وحيويّةً عندما تأكل من نوعٍ مُعيّنٍ من الأشجار البرّية. فنَقَل مُلاحظته هذه إلى أقرانه وبنوعٍ خاصٍ الذّين كانوا يشكُون من عدم قدرتهم على السّهر ليلاً. فكان ذلك الاكتشاف الأوّل لثمار شجرة البُن.
أمّا الطبيب الرّازي الذّي عاش في القرن العاشر للهجرة فكان أوّل مَن ذكر البن والبنشام في كتابه "الحاوي". وكان المقصود بهاتين الكلمتين ثمرة البن والمشروب. وفي كتابه "القانون في الطّب" لإبن سينا الذّي عاش في القرن الحادي عشر، يذكر البن والبنشام في لائحة أدويةٍ تضم 760 دواء.
من المؤكّد أنّ البن كان ينبت بريًّا في الحَبشة واليمن. وكان اليمنيّون أوّل من عمل على تحميص بذور البن وسحقها. وسُجِّل في القرن الرّابع عشر في اليمن أوّل استعمالٍ غير طبّي للبُن. وبدأت زراعته على نطاقٍ واسعٍ منذ ذلك الوقت.
انتشر شراب القهوة في مطلع القرن السّادس عشر في الحجاز ومصر وبلاد الشّام. ومن المُرجّح أنهّ انتقل على أيدي الحُجّاج. ومن الشّام انتقل شراب القهوة إلى استنبول عندما افتَتَح سوريّان أوّل مقهى "كهفي خانة" قُدّمت فيه القهوة.
ومن استنبول انتشرت القهوة في أوروبا الشّرقية ومنها إلى كلّ أنحاء القارة الأوروبيّة، وحتى يومنا هذا تقدم الإعلانات التجارية عن القهوة بأنها عربية مائة في المائة.
تُعتبَر القهوة رمزًا من رموز الكَرَم عند العرب، يُفاخرون بشربها وتُعَدّ مظهرًا من مظاهر الرّجولة في نظرهم. ويعقدون لها المجالس الخاصّة التي تُسمّى بالشبّة أو القهوة أو الدّيوانيّة.
وللقهوة بروتوكولات خاصّة بها وأوانٍ خاصة عند أهل البادية، تُسمّى الدلّة التي يجلبها بعض المُضيفين من بلدانٍ بعيدةٍ وبأسعارٍ باهظةٍ طمعًا في السّمعة الحسنة.
وتثور في المقابل ثائرة المضيف إذا أخبره أحدٌ أنّ قهوته فيها خلل أو تغيّر في مذاقها، ويُعبّرون عن ذلك بقولهم: "قهوتك صايرة"؛ ولا بُدّ في هذه الحالة أن يُغيّر المُضيف قهوته حالاً ويستبدلها بأخرى.
القهوة تحظى بالكثير من الاحترام عند العرب من أهل البادية وعند الخليجييّن والسّعوديين على وجه الخصوص. والقهوة لها عادات قبلية متعارف عليها بين الناس وكل القبائل. فيجب أن تسكب القهوة للضّيوف وأنت واقف وتمسك بها في يدك اليُسرى وتقدم الفنجان باليد اليُمنى ولا تجلس أبدًا حتّى ينتهي جميع الحاضرين من شرب القهوة. بل وأحيانًا يُستحسن إضافة فنجانٍ آخرٍ للضّيف في حال انتهائه من الشّرب خوفًا من أن يكون قد خجل من طلب المزيد. وهذا غايةٌ في الكرم عند أهالي البادية.
عند سكب القهوة وتقديمها للضّيوف يجب أن تبدأ من اليمين عملاً بالسّنة الشريفة، أو تبدأ بالضيف مباشرةً إذا كان من كبار السّن. والمُتعارف عليه أنّك تصبّ القهوة حتّى يقول الضّيف "كفى" ويُعبّر عن ذلك بقوله: "بس" أو "كافي" أو "أكرِم" أو بِهَزّ فنجان القهوة.
مهارةُ صبّ القهوة أيضًا أن تُحدِثَ صوتًا خفيفًا نتيجة ملامسة الفنجان للدلّة. وكان يُقصَد بهذه الحركة تنبيه الضّيف إذا كان سارحًا، أو كما تقدم في الأفراح، أما في الأحزان كالعزاء أحياناً فعلى مقدم القهوة ألا يصدر صوتاً ولو خفيفاً، كما أنّ مِن مهارة شرب القهوة أن يهزّ الشّارب الفنجان يمينًا وشمالاً حتّى تبرّد القهوة ويتمّ ارتشافها بسرعةٍ ،
بلغ من احترام البدو والعرب في السّابق للقهوة أنّه إذا كان لأحدهم طلب عند شيخ العشيرة أو المُضيف، كان يضع فنجانه وهو مليء بالقهوة على الأرض ولا يشربه، فيلاحظ المُضيف أو شيخ العشيرة ذلك، فيُبادره بالسؤال: "ما حاجتك؟" فإذا قضاها له، أَمَره بشرب قهوته اعتزازًا بنفسه. وإذا امتنع الضّيف عن شرب القهوة وتجاهله المُضيف ولم يسأله ما طلبه فإنّ ذلك يُعدّ عيبًا كبيرًا في حقّه، وينتشر أمر هذا الخبر في القبيلة. وأصحاب الحقوق عادةً يحترمون هذه العادات فلا يبالغون في المطالب التّعجيزية ولا يطلبون ما يستحيل تحقيقه، ولكلّ مقام مقال.
ليست القهوة للسّلم فقط بل تستخدم للحروب. فكافّة القبائل في السابق، إذا حدث بينها شجارٌ أو معارك طاحنةٌ وأعجز إحدى القبائل بطل معين، كان شيخ العشيرة يجتمع بأفرادها ويقول: "مَن يشرب فنجان فلان ويشير بذلك للبطل الآنف الذكر؟" (أي: َمن يتكفّل به أثناء المعركة، ويقتله؟) فيقول أشجع أفراد القبيلة: "أنا أشرب فنجانه". وبذلك يقطع على نفسه عهدًا أمام الجميع بأن يقتل ذلك البطل أو يُقتَل هو في المعركة. وأيّ عارٍ يجلبه هذا الرّجل على قبيلته إذا لم يُنفّذ وعده!
هكذا تحوّلت القهوة من رمزٍ للألفة والسّلام إلى نذير حربٍ ودمارٍ.
تُحمّص القهوة أوّلاً على النار بواسطة إناءٍ معدنيٍ مقعرٍ يُسمى "المحماسة"، وتُحرّك القهوة حتى تنضج جميع جهاتها بواسطة عصيتان من الحديد تشبهان الملعقة الطّويلة. ثم تُطحن القهوة بواسطة إناءٍ معدنيٍ يُسمّى "النّجر" وتوضع مع بهاراتها المعروفة، كالقرنفل والزّعفران والهيل، في دلةٍ كبيرةٍ تُسمّى القمقوم أو المبهار ثم تُسكَب بعد عدّة عملياتٍ مُركّبةٍ في دلةٍ مناسبةٍ وتُقدّم للضّيوف.
تطوّرت هذه الأدوات الآن، فالنّجر مثلاً تقابله الطاحونة أو المطحنة الكهربائية، و"المحماسة" تقابلها المحمصة الكهربائية، والدّلة تقابلها الحافظات أو التّرامس.
للقهوة شجرةٌ وثمرٌ تاريخها طويل. فتقول الأسطورة إنّه في زمنٍ بعيدٍ لاحظ راعي ماعزٍ حبشيّ، اسمه كِلدي، أنّ ماشيته تصبح أكثر نشاطًا وحيويّةً عندما تأكل من نوعٍ مُعيّنٍ من الأشجار البرّية. فنَقَل مُلاحظته هذه إلى أقرانه وبنوعٍ خاصٍ الذّين كانوا يشكُون من عدم قدرتهم على السّهر ليلاً. فكان ذلك الاكتشاف الأوّل لثمار شجرة البُن.
أمّا الطبيب الرّازي الذّي عاش في القرن العاشر للهجرة فكان أوّل مَن ذكر البن والبنشام في كتابه "الحاوي". وكان المقصود بهاتين الكلمتين ثمرة البن والمشروب. وفي كتابه "القانون في الطّب" لإبن سينا الذّي عاش في القرن الحادي عشر، يذكر البن والبنشام في لائحة أدويةٍ تضم 760 دواء.
من المؤكّد أنّ البن كان ينبت بريًّا في الحَبشة واليمن. وكان اليمنيّون أوّل من عمل على تحميص بذور البن وسحقها. وسُجِّل في القرن الرّابع عشر في اليمن أوّل استعمالٍ غير طبّي للبُن. وبدأت زراعته على نطاقٍ واسعٍ منذ ذلك الوقت.
انتشر شراب القهوة في مطلع القرن السّادس عشر في الحجاز ومصر وبلاد الشّام. ومن المُرجّح أنهّ انتقل على أيدي الحُجّاج. ومن الشّام انتقل شراب القهوة إلى استنبول عندما افتَتَح سوريّان أوّل مقهى "كهفي خانة" قُدّمت فيه القهوة.
ومن استنبول انتشرت القهوة في أوروبا الشّرقية ومنها إلى كلّ أنحاء القارة الأوروبيّة، وحتى يومنا هذا تقدم الإعلانات التجارية عن القهوة بأنها عربية مائة في المائة.